إعداد/ د. محمد زهير |
حدث لمعظمنا ذات مرة أو في لحظة ما أن فكر في شخص أو صديق لم يشاهده، أو يلتق به أو يسمع صوته منذ وقت طويل، وفجأة يرن الهاتف فإذا هو بصوته، ويبدو الموقف غريباً ومخيفاً يثير الحيرة والكثير من التساؤلات، وتسمى تلك الظاهرة بالتخاطر أو توارد الأفكار وتزامنها “Telepathy” وتعني وجود صلة أو حلقة ربط أو تواصل عن طريق التفكير المتزامن والتخاطر بين عقل وآخر يباعد بينهما الزمان والمكان، لكن العلماء وعلى نطاق كبير يرفضون الاعتراف بها، وما يحيط بها من فرضيات وأفكار ولا يعتمدونها ويرمونها بالسخف، ويقول المتشككون منهم انه لا وجود على الاطلاف لفكرة التواصل بين شخصين عن طريف الأفكار أو التفكير وحده لكن العقل البشري المعاصر والحديث يقوم بعملية مسح للتقنيات والأساليب المستخدمة في تفسير هذه الظاهرة وسبر أغوارها من مختلف الجوانب حيث تم التوصل إلى بعض النتائج المثيرة والمهمة، وكرست إحدى الجمعيات العلمية البريطانية جزءاً من مداولاتها في فعاليات مهرجان العلوم الذي عقد في سبتمبر/ أيلول الماضي لتبادل المناقشة والآراء حول الأبحاث والدراسات المتعلقة بالتخاطر حيث أثار بعض المشاركين اهتمام الآخرين حينما ذهب إلى القول إن “التخاطر”، قد يكون واقعاً وحقيقياً، لكن تلك الجمعية وجدت نفسها هدفاً لسهام الانتقاد من كبار العلماء لسماحها بإجراء تلك المناقشات دون رد أو تعقيب من فريق المتشككين وفي هذا الشأن قال البروفيسور بيتر اتكينز من جامعة أوكسفورد “لا يمكن الاعتماد على أي من الوقائع والتجارب التي دارت حولها المناقشات أو الوثوق فيها لأن العينات المستخدمة قليلة للغاية وبالتالي فإن تأثيراتها بالأرقام جاءت قليلة الأهمية فتلك التجارب وما فيها من خطوات وإجراءات لم تتم بطريقة علمية كاملة وفعالة”.
أضاف اتكينز أنه لم يطلع على ما تم التوصل إليه من نتائج بشأن “التخاطر” لكن ذلك لم ولن يحدث فارقاً أو شأناً بالنسبة له لأنه يعتقد بأنه ليست هناك أسباب حقيقية وجدية للاعتقاد بأن هناك تأثيراً للتخاطر أو التواصل الذهني لكن رأي اتكينز ليس محل اجماع من كل أعضاء العلماء لأن بعضهم يجادل بالقول إن هناك أدلة متزايدة تتراكم منذ عقود على أن هذه الظاهرة حقيقة واقعة وأن كثيراً من التجارب التي تمت في جامعة موثوقة وعريقة خلصت إلى أن العقول البشرية يمكن أن تتواصل مع بعضها مباشرة وبعض أهم الأدلة وأكثرها تأثيراً تم التوصل إليه من تجارب يسميها العلماء “تجارب جانزفيلد” التي يحاول خلالها شخص ارسال أو بث صورة تم اختيارها عشوائياً من مجموعة تضم أربع صور إلى شخص آخر يجلس في غرفة خاصة ومعزولة حيث تصل احتمالات معرفة أو تحديد الصورة الصحيحة والمطلوبة إلى 25% لكن الدراسة التحليلية المتعمقة لنتائج أكثر من 3000 تجربة واختبار، تم إجراؤها حتى عام ،2004 كشفت عن أن نسبة معرفة وتحديد الصورة الصحيحة بلغت 32% الأمر الذي يجعل هذه النتائج رغم تواضعها منسجمة ومتناغمة مع فكرة وجود ظاهرة التخاطر.
ونظراً لمحدودية وقلة التجارب العملية التي تمت حتى الآن حول هذه الظاهرة وعدم امكانية تطبيق الأساليب العلمية فيها بشكل كامل جاءت النتائج قليلة الأثر والأهمية وعاجزة عن اقناع المشككين بوجود التخاطر وحقيقته وتأثيره لأن تلك النتائج تراوحت بين التحليل الاحصائي المخادع والمراوغ للبيانات، والوقوع دون قصد أو تعمد في التقصير والخطأ في التحليل.
المخ يمسح ويميز:
وفي الستينات من القرن الماضي تعرفت الأوساط العلمية المهتمة بظاهرة التخاطر
وشجعت النتائج التي تم الحصول عليها من هذه التجارب العلماء الآخرين على تكرار وزيادة هذه التجارب وتطويرها لزيادة النتائج وتعزيز مصداقيتها ودقتها، ومنها أن التخاطر الذهني غير المقصود والمنطلق من اللاوعي كان الأقوى بين أولئك الذين تربط بينهم صلات عاطفية.
وأصر المشككون على رفض كل هذه التجارب أو اعتماد نتائجها باعتبارها خاطئة وغير دقيقة، وهذا انتقاد يصعب رده ودحضه لكن التقدم العلمي، والتكنولوجي أتاح للعلماء فرصة استخدام أساليب ووسائل أكثر تقدماً وتطوراً في دراسة ظاهرة التخاطر بتفصيل وتعمق أكبر مما أدى إلى توسيع وزيادة الجدل في أوساط البحث العلمي.
وفي جامعة ايدنبرج يستخدم د. ماريوس كيتينيس ومجموعة من زملائه أحدث الأساليب والتقنيات وجهاز (اي اي جي EEG) في سبيل الوصول إلى المزيد من الايضاحات والنتائج حول الفكرة القائلة إن التخاطر يكون أقوى بين أولئك الذين تربط بينهم علاقات عاطفية قوية حيث تم وضع المشاركين في التجارب في غرف منفصلة، وتعريفهم لقرع منتظم للطبول ومؤثرات صوتية أخرى وأشعة وأضواء لجعل ما لديهم من أفكار وخواطر في منطقة اللاوعي من العقل تظهر وتطفو على السطح وقياس التذبذب في نشاط المخ وعلاقته بالحوافز البصرية لكن كيتينيس قال إن النتائج التي تم التوصل إليها كانت جزئية ومتواضعة، ولا تصلح لاعتمادها دليلاً موثوقاً وحاسماً، ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات من جهات متعددة وفي أماكن مختلفة للتأكد من الانسجام والتناغم والصدقية في النتائج التي يتم التوصل إليها لكنه يشير إلى أن المتشككين والرافضين لوجود ظاهرة التخاطر سيزدادون رغبة في معرفة المزيد.
وفي جامعة سياتل في ولاية واشنطن توصل البروفيسور تود ريتشاردز وفريقه بعد سلسلة من التجارب والاختبارات إلى نتائج تعزز بشكل كبير ما توصل إليه كيتينيس ومجموعته وخاصة فيما يتعلق بدراسة نشاط الدماغ، وما يطرأ عليه من تغيرات وعلاقة كل ذلك بالقدرات الخاصة بالتخاطر باستخدام طريقة متطورة، وهي التخيل والتصور بواسطة الرنين المغناطيسي التي سمحت باكتشاف مناطق ومساحات من النشاط المخي والتعرف إليها بصورة أكثر تفصيلاً ودقة إضافة إلى أنها ساعدت على تمييز الخطأ من الصواب في التجارب السابقة التي تمت بواسطة جهاز (اي اي جي EEG)، لكن ريتشارد وأعضاء فريقه شددوا على ضرورة إجراء المزيد من التجارب واعتقدوا بأن ما خلصوا إليه من نتائج يمكن أن يصب في ما وصفوه ب “ظاهرة شاذة غريبة” لها علاقة بالتأثيرات العملية لأصغر وحدة في الطاقة في الجسم البشري، وهو ما يرفضه كثير من الفيزيائيين.
ويقول البروفيسور كريس فرينتش أستاذ الباراسايكولوجي في كلية جولدشميت كوليدج في لندن وأحد أبرز المشككين في ظاهرة التخاطر “سيبقى هناك دائماً من يجادل بأن هناك نقصاً ما وخطأ ما بشأن هذه الظاهرة وما يحيط بها من تفسيرات وأفكار وفرضيات، لكن هذا الجدل لا يشعرني بالارتياح”.
ويقول كيتينيس “ليس هناك نظرية تستوعب كل الحقائق وتتوافق معها وأن ما نعرفه حتى الآن مازال قليلاً للغاية، ومازال هناك الكثير مما ينبغي القيام به”.
ذكرت استطلاعات للرأي أن نحو 90% من الناس عايشوا تجربة “التخاطر”، ومروا بها، حيث يرن جرس الهاتف فجأة ويكون المتصل هو ذلك الشخص الذي يشغل ذهنك، واستحوذ على تفكيرك، ويتم الاتصال في اللحظة التي تكون فيها مستغرقاً في التفكير فيه، لكن العلماء يصرون على أن هذه الظاهرة ليس لها وجود وأهمية وأنها ليست أكثر من نمط من الذاكرة الانتقائية التي نعطي من خلالها أهمية وتأثيراً لمجرد مصادفة غريبة استثنائية بحيث نتمسك بالاستثناء وننسى أو نتجاهل القاعدة العامة التي تقول إنها لا وجود للتخاطر على نطاق واسع.
وأجرى عالم الأحياء روبرت شيلدريك ومجموعة من زملائه تجارب على مئات الأشخاص الذين قام كل منهم بتسمية أربعة أصدقاء وتم اختيار واحد منهم عشوائياً لإجراء الاتصال الهاتفي حيث يتعين على كل واحد تخمين أو معرفة ذلك المتصل من بين أصدقائه الأربعة قبل الاتصال واحتمال معرفته هنا لا تزيد على 25%، وبعد 800 تجربة ارتفع معدل النجاح في تحديد الشخص إلى 42%، لكن نتائج هذه التجارب وغيرها لم تزحزح الرافضين لظاهرة التخاطر عن موقفهم.
وبقيت الظاهرة مرفوضة لفترة طويلة من المشككين الذين لا يعترفون بوجودها ويرمونها بالافتقار إلى المصداقية العلمية، ولكن ومنذ بداية الثمانينات من القرن الماضي قامت فرق البحث العلمي في جامعات مرموقة بسلسلة طويلة من التجارب التي تصب نتائجها في إطار إثبات وجود هذه الظاهرة مما دفع الرافضين إلى الرد بالإصرار على أن ما تم التوصل إليه من نتائج بسيطة ومتواضعة لا يمكن اعتمادها أو تصديقها ولا تطابق ما وصل إليه العلم.
ويركز الباحثون جهودهم حالياً على قياس نشاط المخ ومتابعة ما يطرأ عليه من تغيير في مجموعات من الأشخاص مقسمة اثنين اثنين حيث أظهرت النتائج المبكرة والأولية أن نشاط المخ عند أحد الأشخاص قد يكون في الواقع انعكاساً لما يدور في مخ شخص آخر في اللحظات التي يتم فيها التخاطر أو الاتصال الذهني بينهما.
يذكر أن هناك تجربة تسمي بتجربة الحقل الكامل (من الأصل الألماني Ganzfeld) هي تكنيك يستخدم بكثرة في الدراسات الباراسيكولوجية لإختبار القدرات الغير حسية الكامنة للفرد أو ما يسمى "extra sensory perception ESP". يتم استخدام أنماط غير متشابهة لاستثارة الحقل الكامل وهو ما يشابه الحرمان الحسي من حيث الأثر. استخدامه ليس مقتصرًا على الباراسيكولوجي ولكن تقوم الكثير من الدراسات العصبية للإدراك باستخدمه. الحرمان من الأنماط المترابطة للإثارة الحسية تقوم بتسهيل تكوين إنطباعات داخلية. في عام ١٩٣٠ قام فولفجانج ميتسجر باختراع هذا التكنيك أثناء دراسته لنظرية الغَشتَلت (من الألمانية Gestalt
علماء الباراسيكولوجي أمثال دين
رادين وداريل بِم قالوا أن إختبار الحقل الكامل أخرج معطيات تبتعد عن العشوائية لدرجة
كبيرة، وأن هذه النتائج تقدم بعض من أقوى الأدلة على التخاطر حتى يومنا هذا. نقاد
مثل سوزان بلاكمور وراي هيمان قالوا النتائج غير ذات دلالة .
يعتبر إختبار الحقل الكامل هو واحد
من أحدث ما قدمته الباراسيكولوجي في دراسة وجود التخاطر والعوامل
المؤثرة فيه. يعرف التخاطر في الباراسيكولوجي على أنه الحصول بشكل غير طبيعي
على المعلومات المتعلقة بالأفكار أو المشاعر أو أنشطة شخص آخر. في أوائل
الثمانينيات درس شارلز هونورتن ظاهرة الإستقبال الخارج الحسي
ESP والأحلام في مركز مايمونيديز
الطبي واستخدم اختبار الحقل الكامل بكفاءة للحصول على
حالة الحرمان الحسي التي تتدعي بعض النظريات أنها تحفز ظهور مثل هذه القدرات
الكامنة لدى البشر الطبيعيين. منذ نشر دراسة هونورتن وشارون هاربر في
دورية American Society for Psychical Research عام 1974 ظل إختبار الحقل
الكامل متداولًا في أوساط الباراسيكولوجي .
طبتم في رعاية الله وأمنه
بحث من إعداد/ د. محمد زهير
0 التعليقات:
إرسال تعليق